mardi 14 janvier 2020

ظل الياسمين


     لازال تاريخ 14 جانفي يأخذ وقته ليُكتب على مهل، فقط لسبب واحد لأنّه لا وجود لقويّ يفرضه علينا أو رابح يكتبه على هواه كما تُكتب سرديّات الحروب والبطولات الوهمية التي عادة ما يكتبها المنتصر، تاريخ 14 جانفي وصل تسعة من العمر ولازال محل جدال ونقاش، والكلّ يقول عنه ويقول فيه، ولكلٍّ الحق في أن يقول عنه ما يشاء، تاريخ فتح باب النقاش على مصراعيه بكلّ حرّية و تلقائية، هو حتما سيكبر ذات يوم أو ذات قرن، وسيبقى خالدا في ذاكرة التونسيين وذاكرة الانسانية، هو باختصار ذكرى ثورة الياسمين التونسيّة التي فاجأت الجميع، حيث اجتمع الناس ذات يوم في مكان ما على أرض تونس، هو شارع بورقيبة الذي كان قبل ذلك التاريخ مكان جافّ قاحل، رمادي من الأعلى ومن الأسفل، يجب أن تمرّ فيه صامت وأن تكون حذرا في حركاتك ولباسك و أنفاسك، الناس إذن اجتمعوا هناك بكلّ شجاعة وصاحوا في وجه البنايات الجامدة والمخيفة، لم ينظروا إلى بعضهم نظرة ساخرة أو متعالية ولم يتقززوا من روائح بعضهم لأن العطر المنتشر آنذاك هو عطر الياسمين، التصقت اجسادهم ببعضها ككتلة واحدة، والأجمل من ذلك أنّهم كانوا في كامل أناقتهم، وكأنّهم في احتفال، صاحوا ورفعوا الشعارات، والأقفاص المفتوحة، وغنت الفنانة آمال المثلوثي أغنيتها الشهيرة  "أنا حرّة وكلمتي حرّة" وحضرت كلّ الأعمار والفئات، وحضر المسرحي والمغني والرياضي و الرسّام، فعلا المشهد كان احتفاليّا رغم خطورة الوضع حولهم وفي كامل البلاد، ورغم الأيام الصّعبة والمرعبة التي شهدتها البلاد، وتساقط الشهداء تباعا بداية من البوعزيزي الذي احترق ظلما وقهرا إلى الشهيدة منال بوعلاّقي في مدينة الرقاب إلى الأستاذ الجامعي حاتم بن طاهر في مدينة  دوز، 14 جانفي هو اليوم الختامي و الأهمّ رغم أهميّة تاريخ 17 ديسمبر تاريخ البداية، لأنّه يوم لا خوف بعده ويمكن أن نقول كلّ شيء، أمّا التقييم لازال باكرا عليه، فقط بقيت ثنائيّة مملة ومزعجة أحيانا صنعها الاعلام بدرجة أولى اضافة الى القوى المالية والسياسية المؤثرة، هي ثنائية ما بعد 14 جانفي وماقبله، ثنائية أخذت أوجها في سنة 2013 وصنعت على اساسها أحزاب حكمت البلاد ونهلت من خزان انتخابي أخذه الحنين إلى الماضي "المجيد" وأخذت صورة بن علي  اشعاعها خاصة على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي خلال سنتي 2013 و 2014  استفاد منها من كانوا سابقا أذيالا للنظام لا يجرؤون على التقدم لمنصب شعبة في أحيائهم، حيث وصلوا الى مجلس النوّاب بفضل مناخ الحرّية والدّيمقراطية، ونالوا مناصب في عدة وزارات على غرار وزارة التربية والمالية والخارجية وغيرها، اضافة الى مختلف المناصب في كامل تراب الجمهورية، ومع ذلك لم يقدموا انجازا يذكر، ولم يعيدوا "أمجاد" الماضي الوهمية، ليس لأنهم كانوا عباقرة قبل 2011 وانّما لأن الإعلام قبل الثورة يمدحهم مهما فعلوا وكلّ من يحتج عليهم يسجن أو يطرد من عمله، مشاركة النظام السّابق بكثافة في السلطة خاصة بعد انتخابات 2014 يثبت أوّلا أنّ ليس لديهم عصا سحرية، و يثبت ثانيا أنّ المقارنة بين زمنين ما بعد وما قبل الثورة هي مقارنة لا معنى لها وليست معيارا فعّالا لتقييم ثورة أهدتنا أثمن شيء وهو الحرية ودفعنا فيها أثمن شيء دماء شهدائنا، شهدائنا الأبطال الذين وقفوا بشجاعة في زمن عزت فيه الشجاعة.
ومع ذلك فلنقارن بعض المقارنات الخفيفة والمفهومة بعيدة عن النظريات الكبرى، فلنبدأ أولا بأسعار المواد الاستهلاكيّة، هي فعلا كانت اسعارا جنونية بعد الثورة لعدّة أسباب وليست الثورة السبب الوحيد حيث كان نسق ارتفاع الأسعار قبل الثورة أكثر بكثير لأننا نقارن فقط بين 2010 و 2019، ولو قارنّا بين 2000و 2009 لوجدنا نفس نسبة الارتفاع أو أكثر دون زيادة في الأجور ودون مفاوضات اجتماعيّة، ثانيا بعض الأزمات التي تحدث أحيانا، كانت تحدث سابقا دون أن نتكلّم عنها، فقد عاشت البلاد أزمة ثلوج 2005 وقتها كان عفيف الفريقي المذيع التجمعي الذي يتمتع براتبه كمذيع وله منصب كمحاباة له وهو منصب مدير مدرسة تونس الرقمية، يتصل برئيس شعبة منطقة حليمة وهو من المهرّبين ليتحدث في الاذاعة الوطنية عن الدفء والنشاط في منطقة حليمة في حين أن الناس آنذاك استنجدوا بالسلطات الجزائرية بعدما حاصرتهم الثلوج، عفيف الفريقي اليوم يتمتع أيضا فهو رئيس جمعية الوقاية من حوادث الطرقات ويستغل مأساة عمدون لينتقد الوزير والمدير والسلطة والأمن والعجلات بكل حرية،
 كما حدثت أزمة ستار أكاديمي سنة 2007 وقتها كانت الحصيلة 7 وفيات وأكثر من ثلاثين جريح، وقتها الاعلام الرسمي نسبها للتدافع في حين أن منظم الحفل وهو ابن أحد أصهار الرئيس قد باع عدد من التذاكر أكثر من طاقة استيعاب الفضاء المخصص للحفل، فقط آنذاك الصحفي سليم بوخذير كتب في موقع نواة عن المأساة،
ثالثا، تقوم الدولة بعد الثورة ببعض المنجزات وبفضل الحرية يمكن أن ننتقدها، مدينة الثقافة مثلا بشكلها الحالي البديع، سنة 2007 كانت أرضا بيضاء، تمّ تقديم المجسّم من طرف الشركة التشيكية، المجسّم كان يبث يوميا في النشرات الاخبارية وكأنه موجود على أرض الواقع لمدح انجازات المخلوع، والاحتفاء بعشرين سنة من التحوّل، لكن بعد سنتين من العمل صارت أزمة وتوقّف المشروع دون أن يتحدّث الاعلام في الموضوع، في حين أنّه بعد الثورة تمّ استكمال المشروع وهاهي مدينة الثقافة منارة من منارات تونس، يوم تدشينها لم يكن يوم مدحيّات وعكاظيات، انّما حفل بسيط يعكس تراث البلاد وهويتها، بل بالعكس كان للنّاس امكانية انتقاد المشروع والتقليل من شأنه بكل حرية،
هي مقارنات تفتح الطريق أمامنا لنبتعد عن الثنائيات المتحجرة، ونفتح مجالا لتنسيب الأمور فالبلاد قبل الثورة كانت دولة منظمة وفيها قوانين و ادارة ومؤسسات لكن الحياة آنذاك لم تكن وردية وكانت هنالك مشاكل كانت الثورة نتيجة لها، والحياة الآن ليست وردية، نحن فقط لم نتغيّر كثيرا، ومع ذلك تغيّرنا، وصرنا نرى بعضنا لأنّنا نتكلّم، حيث يقول سقراط "تكلّم حتى أراك"، نفس مشاكلنا لازالت متواصلة، الفقر والتهميش و البطالة والفساد وتأخر الادارة التي لازالت تحنّ للماضي، أما على المستوى السياسي فبلادنا باتت مرجعا في الالتزام بالقوانين والدّستور فقط التجربة ستعلّمنا كيف نبني أحزابا نساهم فيها فقط ببطاقة انخراط وليس أحزابا يغرقها رجال الأعمال بنفاياتهم المالية للتهرب من الضرائب، وسنختار يوما من يأخذنا إلى المستقبل وليس من يذكرنا بالماضي،
رغم خطاب التيئيس الطاغي على المشهد، لازال على هذه الأرض ما يستحقّ الحياة، والشهداء الذين رفضوا أن يسقوا ماء الحياة بذلّة من أجلهم نشرب بعز كأس الحنظل، رحم الله شهداء الثورة المجيدة



lundi 5 août 2019

حدث ما بعد الثورة .....بوعي ما قبل الثورة

مرّت أيام الحداد على الرئيس الراحل لتونس محمد الباجي قايد السبسي رحمه الله و رزق أهله جميل الصبر و السلوان، هي في الحقيقة لم تكن أيام حداد حقيقية إنما مجرد اجراءات بروتوكولية تمثلت في تنكيس الأعلام المعلقة على المباني العمومية، أو الغاء البرامج الترفيهية في المحطات الاذاعية و التلفزية، أو تأجيل الحفلات التي تنظمها وزارة الثقافة، أما على المستوى الشعبي فقد تواصلت الأعراس و الأهازيج و لم ينقطع التونسيين عن احدى عاداتهم المزعجة المتمثلة في الاحتفال بواسطة منبهات السيارات التي تضج بها الشوارع مع مرور مواكب الأعراس هذه المواكب التي لم تتوقف حتى في الأيام الأولى لوفاة المرحوم و ربما تزامن بعضها مع موكب الجنازة، هذا دون أن ننسى الشواطئ و الملاهي التي تواصل نشاطها عادي، و هنا يبرز لنا عامل مقنع من عوامل الهدوء الذي ميز  الشارع التونسي عند اعلان وفاة الرئيس الراحل و بالتالي ما حدث لا علاقة له بالوعي و الحديث المبالغ فيه عن التحضر والثقافة الديمقراطية وعن "الاستثناء التونسي" و هنا مربط الفرس، حيث تعاملنا مع حدث ما بعد الثورة بعقلية ما قبل الثورة.
الحديث عن "الاستثناء التونسيّ" على المستوى الاعلامي له مبرراته و أهمها أن الاعلام التونسي بطبيعته رغم الحرية التي أهدته اياها الثورة لازال رهينا لقوى ما قبل الثورة سواء من حيث التمويل أو النفوذ أو المصلحة و بالتالي فتناوله للجنازة و ما قبلها و ما بعدهايعتبر حملة انتخابية مسبقة للقوى السياسية المتفرعة من نداء تونس و من حزب التجمع العائد إلى الساحة بخطاب الدولة الوطنية و ّالاستثناء التونسي"، فقد سمعنا المعلق التابع للتلفزة الوطنية الذي واكب البث المباشر لجنازة الرئيس يستغل المنبر الذي منح إليه دون مراعاة لقداسة اللحظة ليبث رسائل ايديولوجية من قبيل حرية المراة التعليم و الصحة و غيرها من الشعارات الجوفاء و ليتحدث على انجازات وهمية لبناة الدولة الوطنية و كأنه يتحدث عن أشخاص وجدوا تونس ارضا بدائية و تركوها مثل كوريا أو سنغافورة، كما ركز المعلق في حديثه على حضور عدة شخصيات دون الحديث عن غيرهم و قد ساعده في ذلك المخرج الذي كانت عدسته تلتقط فقط من يريد أن يبرزهم.
وبالوقوف على ربوة الفيسبوك و غيرها من وسائل التواصل الاحتماعي هنا تجد العجب العجاب، حيث دخل الجميع على الخط بما في ذلك جماهير الكرة، التي ربطت لمسة يد في مبارات كرة قدم بعدم اعلان الحداد في بلد ما، كما تعالت الأصوات الشوفينية المقيتة التي استغلت حتى ألوان الثياب في موكب الجنازة لتبرز السمو الوهمي للعرق التونسي، و طبعا طفت على السطح حكاية المرأة التونسية أول قائدة طائرة و أول مهندسة و غيرها... وكأن المرأة في باقي العالم العربي تجلد في الساحات العامة، كذلك تواترت على صفحات التواصل الاجتماعي موجة تجريم لوسائل الاعلام التي طرحت تساؤلات طبيعية حول الوضع ما بعد وفاة الرئيس، وتم اخراج هذه التساؤلات على أنها مؤامرة على الدولة الكبرى التي تهيئ نفسها لاطلاق اقمار صناعية أو لاغراق الأسواق بمنتوجات متطورة، فتعالت خطابات الكراهية و السخرية تجاه شعوب ظروفها جعلتها لا تعيش ما نعيشه نحن من حرية ، و هذا ان دل على شيء فهو يدل على أن وعينا لازال متوقفا عند حدود ما قبل الثورة، هناك في خطاب "المادة الشخمة" التي جعلتنا نظن لعقود أننا أذكى من باقي البشر على وجه الأرض، و أننا الاستثناء و أننا الأحسن في العرب و افريقيا، و أننا دولة بلا ثروات، و طبعا ظللنا نحن نصدق هذه الديباجة و بقيت نخبة صغيرة من المجتمع بفضل عمالتها للشركات الأجنبية تنعم بالثروة و بالجنة الضريبية و باليد العاملة الرخيصة بسبب واقع التشغيل الهش في البلد، و التهميش المتعمد للكفاءات.
لا شك أن تعامل مؤسسة رئاسة الجمهورية مع حادثة وفاة الرئيس الراحل كانت حرفية و منظمة خاصة من الجانب الاتصالي، كما كان تمرير السلطة كان وفق الدستور بطريقة منظمة و هادئة، كذلك موكب الجنازة كان مهيبا و منظما بفضل مجهودات الجيش الوطني و قوات الأمن الوطني، رغم تغييب عدد هام من الشخصيات الوطنية، في حين كان المسمى حسن الشلغومي حاضرا و هنا يجب فتح تحقيق في الموضوع فهذا الشخص كان يعانق القائد الصهيوني افيخداي ادرعي و يدعو له بالنصر و حضور شخص كهذا لا يمكن تبريره بالانفتاح و التسامح و غيرها من اللافتات انما هو عميل لقوة صهيونية اجرامية.
كل هذا النجاح النسبي يعود فقط لسبب واحد هو الحرية التي أتت بها الثورة نعم الثورة التي سخروا منها و سموها ثورة البرويطة في حين أن اسم البرويطة زادها شرفا و ألقا، هنا الثورة منحتنا هذا الهدوء و هذه السهولة في تطبيق القانون، والانسيابية التي تفاعلت بها المؤسسات فيما بينها، فالدستور الذي كتب بعد ثورة البرويطة، كان جامعا ليس لأن من كتبوه عباقرة أو فلتات من الزمن، انما لأنهم كتبوه و هم يتناقشون و يتحاورون  و الشارع و المجتمع يضغط عليهم بكل حرية ووعي.
الحديث عن دولة ديمقراطية لازال مبكرا فالتجربة في بدايتها و ما حدث هو ثمرة من ثمار الثورة، أما هدوء الشارع قد يكون سببه عزوف الناس عن السياسة و عدم اهتمامهم بالشأن العام و هذه رسالة، بل ناقوس خطر،  للسياسيين لبذل جهود أكثر في اقناع الناس و النزول إلى الأرض و عدم الاكتفاء بالبروز الاعلامي، فقط يجب أن نعلم أننا بشر مثل غيرنا و عندنا مشاكلنا و مساوئنا و لسنا الشعب الذكي الفطن "المهف" انما نحن علينا أن نتعاون لبناء بلدنا و توفير ظروف أفضل لكي لا نجد نصف شبابنا يريد ان يغادر البلد عبر المطار اذا كان متفوقا  في دراسته و النصف الآخر يريد أن يغادر عبر القوارب ان كان غير موق في دراسته.
رحم الله شهداء الثورة، رحم الله شهداء الأمن و الجيش، رحم الله رئيس الجمهورية الباجي قايد السبسي

jeudi 5 janvier 2017

ثرثرة....على ضفاف الثورة

تعيش البلاد منذ 17 ديسمبر 2016 على وقع الذكرى السادسة لاندلاع الثورة التونسية التي تحدد موعد 14 جانفي من كل عام كموعد رسمي للاحتفال بها و إحيائها نظرا لأن يوم 14 جانفي كان تاريخ مغادرة الرئيس الهارب بن علي لأرض الوطن و خروج الناس للشارع بكل حرية بعدما كان الخروج للشارع و الإجتماع فيه من المحرمات لمدة ربع قرن، آنذاك احتد النقاش حول تسمية الثورة و تعددت التسميات كالربيع العربي و ثورة الياسمين و ثورة الحرية و الكرامة حيث تبدو التسمية الأخيرة الأقرب،  اضافة إلى عدة تسميات أخرى ساخرة و محبطة و طبعا ساهم في ترويجها الذين كانوا ضد الثورة، و الذين اختبؤو خلال الأيام الأولى ليعودوا بطريقة أوضح و أكثر جرأة بعد الانتكاسات و الأزمات التي عاشتها البلاد طيلة السنوات التي مرّت ليعتبروا  أن ما حدث لم يكن ثورة إنما مؤامرة  و وصلت بهم الجرأة إلى التشكيك في شهداء الثورة و من هنا يكون الجدل حول ما حدث و حول استحقاق من سقطوا بالرصاص في تلك الأيام أن يكونوا شهداء، ثم هل أن الثورة قد حولت بلدنا من بلد متطور و مصنع إلى بلد متأزم و متخلف؟
و لنبدأ بأول شهداء الثورة الشهيد محمد البوعزيزي الذي أضرم النار في جسده احتجاجا على وضعه المادي و على معاملته السيئة و المهينة من قبل السلطة ذات 17 ديسمبر من عام 2010 و احتجاجا على التضييق عليه في مورد رزقه الوحيد المتمثل في عربة بيع الخضر و الفواكه و هي العربة التي استمد منها أعداء الثورة تسمية "ثورة البرويطة" سخرية من الذين يحصلون رزقهم بواسطة هذه الوسيلة ، و لئن كان حرق النفس عمل غير محمود و غير مشرف و يتنافى مع كل الأعراف و الأديان، فإن ما أقدم عليه البوعزيزي كان في لحظة ضعف و يأس بعد شعور بالغبن و القهر كان يشعر به كل مواطن تونسي تعرض لاعتداء من قبل الجهاز الأمني قبل الثورة ، و بالتالي لا يمكن استغلال بشاعة فعلته لإظهاره كمنحرف و قاطع طريق في حين أنه كان يكسب قوت يومه من عرق جبينه و قد شهدت شرطية البلدية فايدة حمدي في عدة وسائل اعلام وهي التي تخاصمت معه أثناء أدائها لعملها  أنه لم يكن منحرفا، و هي الأخرى قد تعرضت للظلم و زجوا بها في سجن قفصة رغم أن خصومتها مع البوعزيزي لم تكن سببا مباشرا في اقدامه على حرق نفسه وخلال الأيام الأولى ما بعد الثورة تكفلت المحامية بسمة المناصري بالدفاع عنها و اخراجها من السجن بعدما ثبت أن ايداعها لم يكن بناءا على شكاية من أسرة البوعزيزي و انما بتعليمات من بن علي لإمتصاص غضب الشارع الذي بدأ يتحرك و كانت مدن سيدي بوزيد و الرقاب و المكناسي أولى المدن التي شهدت احتجاجات عارمة و قد سقط عدد هام من الشهداء كان أولهم الشهيد محمد العماري يوم 24 ديسمبر 2010 و قد رافقت تلك الإحتجاجات وقفات مساندة و دعم من قبل المحامين و النقابيين و المجتمع المدني كما لعبت مواقع التواصل الإجتماعي دورا هاما في نشر فيدوات و صورا عن الأحداث و الاعتداءات، حيث فقد النظام السيطرة على تلك المواقع بعدما كان يمارس منظومة الحجب الإلكتروني، و رغم فداحة الأحداث و جسامة التضحيات فإن النظام آنذاك واصل التعامل مع الإحتجاجات بنفس الأسلوب حيث تجددت الاحتجاجات في بداية شهر جانفي 2011 في تالة و القصرين ليتواصل سقوط الشهداء، و لم يسلم حتى الأطفال حيث استشهدت في مدينة القصرين الرضيعة يقين قرمازي متأثرة بالغاز المسيل للدموع، لتنتشر بداية من 11 جانفي 2011 الاحتجاجات في كامل البلاد تقريبا، إلى أن وصلت للعاصمة و ضواحيها ليكون يوم 14 جانفي 2011 اليوم الختامي و قد كان ذلك اليوم نقطة تحول في تاريخ البلاد، حيث خرج التونسيون بكافة أطيافهم و أعمارهم، لم يحملوا معهم لا عصي و لا حجارة بل كانوا في كامل أناقتهم و كأنهم في احتفال ، و تجمعوا في شارع الحبيب بورقيبة قرب مبنى وزارة الداخلية الذي كان مصدر رعب و خوف بالنسبة للتونسيين، لقد كان المشهد جميلا و تنوعت فيه وسائل التعبير فهناك من حمل قفصا مفتوحا و غنت الفنانة أمال المثلوثي أغنية " أنا حرة" و صورتها، لقد كان احتفالا اختتم بهروب المخلوع بن علي و كان مشهدا يعبق بعطر الياسمين و كانت فعلا في ذلك اليوم ثورة الياسمين، و قد كانت أناقة المشهد و فخامة ضيوف شارع الحبيب بورقيبة ذات 14 جانفي 2011 دليلا قاطعا ينفي عن ذلك الحشد الجميل و الكبير شبهة الإنحراف و التخريب و النهب لكنها لم تنفي عنهم خصلة الشجاعة و التضحية لأنه في ذلك اليوم بن علي لازال رئيسا في أذهان الناس و الخوف آنذاك قد يمنع من لا يملك شجاعة كافية للخروج إلى الشارع للتعبير عن الغضب و الإحتجاج في ظل نظام كاد يمنع عن الناس التنفس بصوت عال، و شجاعتهم كانت مستمدة من تضحيات جسام أقدم عليها من انتفضوا منذ 17 ديسمبر 2010 في المدن المهمشة التي سقط فيها شهداء و جرحى و فيها من شارك في الاحتجاج و رجع لصراعه اليومي مع الحياة ، هم لم يكونو لصوصا و لا قطاع طرق، بل خرجو في وضح النهار للتعبير عن غضبهم على أوضاعهم المزرية و أوضاع مدنهم و قراهم المهمشة و رفضا للفساد و الإستبداد لقد كانوا من جميع الأطياف و الشرائح حيث استشهدت ابنة الرقاب منال بوعلاقي، كما استشهد ابن دوز الأستاذ الجامعي حاتم بن طاهر، لقد خرجوا للشارع في وقت يكون فيه الخروج للشارع مغامرة غير محمودة العواقب، إن لم يكن ثمنها سجن و تعذيب فقد يكون نهاية مستقبل مهني و تضييق اداري و تشويه السمعة، و النظام آنذاك يملك كل وسائل التشويه و التشهير و التي لازالت تعمل إلى الآن، فبقايا النظام النوفمبري نجحت الآن إلى حد ما مستغلة آلة اعلامية ضخمة ، في تشويه الثورة و كل من قام بها، و قد كان مناخ الحرية التي دفع ثمنها شهداء الثورة عاملا هاما ساعد في تكاثر من يسبون و يشوهون شهداء و جرحى الثورة كالطفيلات، فتكاثرت عبارات مثل "اشتقنا لأمنك يا بن علي" و "ثورة البرويطة" و غيرها من العبارات السطحية التي لقيت للأسف رواجا كبيرا على صفحات التواصل الإجتماعي و هذا راجع لانطباع عام بأن أوضاع البلاد صارت رديئة، و لعل الإرهاب و الهجمات الإرهابية التي تعرضت لها البلاد و خاصة اغتيال الشهيد شكري بلعيد ذات 06 فيفري 2013 ،من أهم العوامل التي استغلها بقايا نظام بن علي لتحقيق مكاسب على مستوى الحضور الاعلامي و مكاسب سياسية حيث دخل مجلس نواب الشعب بواسطة انتخابات 2014 أكثر من 50 نائب تجمعي علاوة الوزراء و الولاة و المعتمدين الذين كانوا سابقا من خدم عصابة الطرابلسية التي كانت مسيطرة على مقدرات البلاد، هذا اضافة إلى رئيس الجمهورية الحالي و رئيس مجلس النواب و رئيسي الحكومة الحبيب الصيد و يوسف الشاهد و هم من النظام التجمعي ، و هنا نستنتج أن نظام ما قبل الثورة له نصيب سنتين من السنوات الستة التي عشناها و قد أثبتوا فشلهم في ادارة البلاد دون تطبيل اعلامي و دون قمع و ترهيب، و هم يسعون بكل ما أوتوا من امكانيات لارجاع الشعب التونسي إلى زمن الإستبداد و هو زمن لم يكن جميلا و لم تحقق فيه البلاد رفاها و لا تنمية كما يروجون فنظام بن علي قد ترك البلاد بنصف مليون معطل عن العمل و بربع سكان البلاد تحت خط الفقر، و بتجهيزات  أمنية و عسكرية و تجهيزات الدفاع المدني و تجهيزات البلديات، و تجهيزات و معدات التهيئة و تجهيزات الصحة في أقل من  نصف ما هي عليه الآن، و ترك كتلة الأجور و النفقات العمومية في أقل مما هي عليه الآن، و رغم ذلك ترك أسعار المواد الأساسية مرتفعة فالحليب ترك سعره أكثر من دينار و الزيت بدينار و السكر بدينار و قد أعلن عن تخفيض طفيف في هذه المواد في آخر خطاب له ، و هذا لا ينفي أن بن علي قد أنجز تحسينا كبيرا في البنى التحتية و  لكن بسبب الفساد و المحسوبية فقد بانت عيوب الطرقات و تهيئة المدن من خلال حوادث القطارات و الفيضانات، كذلك في عهد بن علي كان عدد هام من الموظفين منضبطين بفعل الخوف رغم وضعهم الهش و أجورهم المتدنية، و هذا لا ينفي أيضا أن ما بعد الثورة  قد فشلت كل الحكومات في تحقيق أهداف الثورة و مقاومة الفساد و التفاوت بين الجهات، و تبقى المقارنة بين ما قبل و ما بعد الثورة مقارنة غير متوازنة فقط هناك حقيقة واحدة هي أن ما بعد الثورة هناك حرية، و هي مكسب ثمين و لا يستهان به، و بفضله تمتعت عدة فئات بحقوقها المهنية كما صار الجهاز الأمني مرفقا عموميا يخدم المواطن و انتظم رجال الأمن في منظمات نقابية تؤطرهم و تدافع عن حقوقهم، و بفضل الحرية يمكن فتح آفاق التنمية  وهذا لن يتم الا بوعي جماعي بقيم المواطنة و الاحترام، و التعايش السلمي، و ان كانت أزمات البلاد قبل الثورة سببها الاستبداد، فإن نجاح البلاد أو فشلها الآن يكون سببه المواطن، و كل واحد مطالب بتحسين نفسه أولا و بصلاح المواطن سيصلح السياسي و الأمني و المسؤول، المطلوب شيء بسيط هو الإحترام، رحم الله شهداء الثورة التونسية التي تبقى ثورة مواطنين شجعان صادقين على نظام فاسد، مهما كانت القراءات و التسميات و فيما يلي أسماؤهم تخليدا لذكراهم




---------- ولاية سيدي بوزيد ------------

محمد البوعزيزي - سيدي بوزيد
عادل همامي - سيدي بوزيد
حسين ناجي - سيدي بوزيد
رضا بكاري- سيدي بوزيد
شوقي نصري حيدري - منزل بوزيان
محمد العماري - منزل بوزيان
عبد الباسط الخضراوي - المكناسي
عبد الكريم شواطي - جلمة
نزار سليمي - الرقاب
محمد جبلي - الرقاب 
معاذ خليفي - الرقاب
محمد صالح بوزياني - الرقاب
رؤوف كدّوسي - الرقاب
منال بوعلاقي - الرقاب

‎-----------ولاية القصرين-------------

محمد عمري - تالة
أحمد بولعابي - تالة
وجدي صالحي - تالة
محمد ياسين رتيبي - تالة
مروان جملي - تالة
نوري بو لعابي - تالة
مروان مبارك - تالة
مروان العمري - تالة
غسان بن الطيب الشنيتي - تالة
محمد العمري - تالة
بشير المباركي - تالة
محمد أمين مباركي - قصرين
صلاح دشراوي - قصرين
رمزي السيلي - قصرين
يقين قرمازي - قصرين
بلقاسم غضباني - قصرين
محمد خضراوي - قصرين
وليد سعداوي - قصرين
صابر رتيبي - قصرين
عبد القادر غضباني - قصرين
رؤوف بوزيدي - قصرين
وليد قريري - قصرين
أحمد جابري - قصرين
محمد نصري - قصرين
فرحات البنهيسي - قصرين
يقين الحجلاوي - قصرين
عبد الكريم ضيفي - فوسانة
عاطف لباوي - فوسانة
الفاضل مسعودي - ماجل بالعباس
سالم برهومي - فريانة
نجيب محمدي - سبيبة

------------ ولاية تونس ------------------
 
الياس الكراش - قرطاج بيرصة
هيثم الرايسي - قرطاج بيرصة
الصحبي النهدي - لاكانيا
مروى أمينة - ملّاسين
شكري الغملولي - الملاسين
حلمي مناعي - باب الخضراء
شكري السيفي - الكرم الغربي
طاهر مرغني - الكرم الغربي
مهدي عوني - السيجومي
عيسى الحافي - المرسى
محمد قايسب - حيل حافي - المرسى
أيمن عقيلي - جبل الأحمر
مكرم جوادي - جبل الأحمر
مهدي بوغانمي - جبل الأحمر
عادل حنشي - الوردية
حمدي البحري - الوردية
فتحي الوسلاتي - الجيارة
خالد هداجي - الصباغين
أحمد الورغي - السيدة
حاتم موفق - قمرت
بلحسن العروسي - حلق الواد
نبيل بن العروسي - حلق الواد
شريف معطى الله - خير الدين
فتحي شلبي - السيجومي
وليد جمعي - السيجومي
كريم روافي - حي الزياتين - العمران
محمد حنشي - القصبة
أحمد عيسي - الحرايرية
وائل تونسي - الحرايرية
وليد المشلاوي - حمام الأنف

-------------------- ولاية نابل -----------------
 
زهير السويسي - حمامات
وسام بن سالم - منزل بوزلفة
علي الميراوي - قليبية
وائل خليل - دار شعبان الفهري
فاطمة الجربي - دار شعبان الفهري
خليل الثابتي - سليمان
 عمار شباطي

------------- ولاية القيروان ------------
 
هيكل بحروني - الوسلاتية
علاء الدين ثايري - بوحجلة
صابر هلالي - المنطقة الخضراء - القيروان
السيد الكسراوي 

------------- ولاية بن عروس ---------------
 
محمد عليات - المدينة الجديدة
حسين بن شعبان - المروج 1
معز بوهاني - حي الياسمينات
سليمان فجرة - ابن سينا
محمد فتح الله - حمام الأنف
محمد ناصر الطالبي - حمام الأنف
أنيس حولي - نعسان
الهادي محجبي - المحمّدية
أحمد البكوش - المحمدية
كريم الزوري - فوشانة
سهيل الرياحي - رادس

------------- ولاية أريانة -------------
 
فوزي مقعدي - حي التضامن
مصطفى النهدي - حي التضامن
مجدي منصري - حي التضامن
ابراهيم بوتريعة - حي المستقبل
قيس مزليني - المنيهلة
أحمد قريعة - سكرة
رمزي الماي ناصر - المنيهلة
ثابت عياري - حي الانطلاقة
أيوب الرياحي - برج الوزير
خميس فضول - أريانة الشمالية
كمال اليعقوبي - برج الطويل

------------- ولاية منوبة --------------
 
عبد الستار قاسمي - طبربة
سمير الرياحي - قصر سعيد
رضا السليتي - قصر سعيد
أنيس فرحاني - الدندان
مصعب الماجري - دوار هيشر
علي الشارني - حي خالد ابن الوليد

-------------- ولاية بنزرت ----------------
 
محجوب ناصري - حي الغزالة
عبد الله الطرابلسي - منزل بورقيبة
حسان الطرابلسي - منزل بورقيبة
جمال الصلوحي - منزل بورقيبة
محمد دندان - راس الجبل
حمدي درويش - راس الجبل
عبد السلام بن حامد - راس الجبل
سفيان مرزوق - منزل بورقيبة

------------- ولاية زغوان -------------
 
نوري العقيبي - الزريبة
أيوب حمدي - بن مشارقة
محمد سلطان - مقرين
ياسين الجلاصي - الناظور 

-------------- ولاية قفصة --------------
 
حسان العرفاوي - أم العرائس
مصباح جوهري - المتلوي
بلقاسم الصديدي - المتلوي

------------ ولاية سوسة --------------
 
عبد الباسط حضراوي - سوسة
سفيان نوير - العوينة - سوسة
جمال بن سعد - سوسة

------------ولاية المنستير ------------
 
نرجس نويرة - طبلبة
نزيه عياري - قصر هلال

------------- ولاية صفاقس -----------
 
سليم حضري - قرقنة
عمر الحداد - صفاقس

------------- ولاية جندوبة -------------
 
هشام محيمدي - عين دراهم
حسونة بن عمر -  عين دراهم

------------- ولاية الكاف ---------------
 
محمد الجبالي - تاجروين
شوقي محفوظي - تاجروين

------------- ولاية سليانة -------------
 
لطفي معاوي - سليانة

------------- ولاية قابس ---------------
 
ربيع بوجليدة - بوشمة
نوفل غماقي - الحامة
حسونة عدوني - الحامة
خالد بوزيان - الحامة
محمد زمزمي - الحامة

------------- ولاية باجة ------------
 
الأزهر كثيري - عمدون
وائل بولعراس - باجة
أسامة عمدوني - باجة

---------------- ولاية مدنين ----------------
 
أيمن مرعي
بيرم ستوري
نرجس نويرة - مدنين

---------------ولاية قبلي -----------------
 
رياض بن عون - دوز
د. حاتم
 بالطاهر - دوز
ماهر بالحاج - سوق الأحد

------------- ولاية تطاوين ----------------
 
محمد دغيم
محمد بن صالح
نذير مومن

------------ ولاية توزر -------------------
 
عبد القادر المكي
ماهر العبيدي
الأمجد الحامي
حسن عرفاوي
نوري سليمان 






lundi 12 décembre 2016

نقترب من رأس السنة الإدارية و معها يقترب موعد عطلة الشتاء بالنسبة للمدارس و الجامعات و مع أن برمجة العطل المدرسية قد طرأت عليها بعض التحويرات في هذه السنة تبقى الأيام الأخيرة من شهر ديسمبر مناسبة للعائلات التونسية للترفيه و تنظيم رحلات لعدة وجهات سياحية في البلاد و تعتبر مدينة طبرقة من أهم هذه الوجهات و من أجمل الأماكن و أكثرها دفئا في هذه الفترة من العام لكن يمكن ملاحظة أن طبرقة يقل نشاطها و يقل ضيوفها بعد انقضاء موسم الصيف و من هنا تطرح التساؤلات عن أسباب ركود السياحة في طبرقة خارج موسم الصيف وعن ماذا يمكن لطبرقة أن تقدم للزائرين في الخريف و الشتاء و الربيع ، و عن الحلول و المبادرات التي تقوم بها السلطة والمجتمع المدني و المستثمرين لشد الناس في طبرقة طوال العام 
لنبدأ من الصيف الذي تنجح خلاله طبرقة في استقبال عدد هام من الزوار الذين يأتون في غالبيتهم الساحقة من أجل الإستمتاع بالبحرو السباحة، فتنتعش الأسواق والمطاعم و مختلف المرافق السياحية اضافة إلى المنازل المعدة للكراء التي يستثمر فيها عدد هام من المواطنين و حتى كبار المستثمرين و رجال الأعمالو هذا إن دل على شيء فهو يدل على أن طبرقة لا تستغل من معالم جمالها إلا البحر و هذا سبب هام من أسباب ركود السياحةخارجموسم الصيف، و من بعض الأساباب الأخرى نذكر غياب المهرجانات و التظاهرات الهامة في طبرقة عدى المهرجاناتالصيفية كمهرجان الجاز و مهرجان الموسيقى العالمية و هي مهرجانات تعيش مشاكل ادارية، أيضا هناك أسباب أخرى تجعل المصطافين الذين يتدفقون على مدينة طبرقة في موسم الصيف لا يعودون إليها إلا في الصيف القادم و هو أنه لا يتم تعريفهم بأماكن أخرى كلاحصن الأثري و المناطق الغابية الجميلة المتاخمة للمدينة و التي تتمتع بمناظر طبيعية خلابة و هواء نقي، لكن هذه المناطق خالية من المرافق و أحيانا من مظاهر الحياة أصلا حيث باتت بعض القرى شبه مهجورة بسبب رداءة الطريق و انعدام المياه الصالحة للشرب مثل قرية الوراهنية و عين سعيدة و البياضة و الوراهنية و ملولة و خاصة الروايسية التي تتمتع بمناظر طبيعية رائعة ، و هذه المناطق تهجر لسببين هامين أولها غياب التنمية و المرافق الضرورية شأنها في ذلك شأن أغلب أرياف البلاد التونسية أما السبب الثاني هو أن مدينة طبرقةهي مدينة جاذبة للسكان بحكم أن فيها فرصة لبناء مسكن و كرائه للمصطافين و بالتالي توفير مورد رزق يغني عن العمل في الزراعة، و بحديثنا عن الأرياف نستحضر السياحة البيئية أو "الإيكوتوريزم" و هي سياحة باتت تحضى باهتمام كبير في العالم، و هي نوع من السياحة يمكن المراهنة عليها لاستعادة السياح الأجانب من مناطق مختلفة من العالم مثل الشرق الأوسط و آسيا و افريقيا و أمريكا اللاتينية و هذا النوع من السياحة في تونس عموما لا يحضى بعناية كبيرة أما في طبرقة فإن السلطة لم تقم بأي مجهود في هذا الإتجاهأما المستثمرين الخواص فلا وجود لهم ربما لأن الربح في هذا المجال غير مضمون أما المجتمع المدني فله بعض النشاطات حيث تعتبر جمعية السياحة البيئية من أنشط الجمعيات و هي تقوم بتنظيم بعض التظاهرات في الصيف و حتى كامل العام، حيث تم مؤخرا تنظيم الدورة الأولى لماراطون الدراجات الجبلية، لا يمكن أن نذكر السياحة البيئية دون الحديث عن المحميات حيث من المفارقات أن مدينة طبرقة السايحية القريبة من الغابة خالية من المحميات، فيها محمية واحدة و قد تم غلقها و هي محمية أيل الاطلس بعين بكوش القريبة من قرية ملولة و ضاحية بريرم، و قد ذكر بعض العاملين في ادارة الغابات أن هناك حديث عن اعادة فتحها للزوار مما قد يمكن من تنشيط تلك المناطق و جلب السياح إليها من كل أنحاء العالم و طوال العام
خلاصة القول هو أن طبرقة أمام حتمية الإهتمام بالسياحة البيئية و تنمية الأرياف و دعم الزراعة و تربية الماشية و النشاطات الغابية ليس فقط لتنمية السياحة و إنما أيضا للحد من نزيف الترحال إلى المدينة و هجر الأرياف، كذلك السلطة في طبرقة و مختلف الجمعيات فيها مطالبة باستغلال البحر للسياحة طوال العام سواء من خلال الرحلات البحرية أو من خلال الرياضات البحرية و خاصة رياضة التجذيف التي تشهد اقبالا كبيرا من شباب طبرقة المغرمين بهذه الرياضة و الموهوبين فيها، و تبقى طبرقة في الشتاء أجمل و أروع و أدفأ فالبحر يهبها الدفئ مهما تلاطمت أمواجه./.

vendredi 15 juillet 2016

يوم حزين

كانت أمسية صيفية عادية، أمسية طال انتظارها بعد ظهيرة ساخنة، كنا نتحدث في كل شيء، نفكر في كل شيء، كنا نبحث عن ابتسامة، عن كلمة طريفة ، عن ذكريات جميلة، كنا نتساءل عن مواعيد بعض الأعراس، و نتساءل عما حضرنا لها من ترتيبات و ملابس جديدة، رغم يقيننا أن ما في الأعراس من مراسم و شكليات، بات مكلفا، تحدثنا عن الأسعار المرتفعة و عن صعوبة العيش، مزحنا، و أكلنا و بحثنا في التلفاز عن مسلسل أو مسرحية أو أغنية، متفادين القنوات الإخبارية المؤلمة، متفادين أخبار الموت لأننا لم نكن نرغب في التفكير فيه في تلك اللحظات، لكنه باغتنا، نعم باغتنا الموت و تدفق عبر أصوات هواتفنا، في غفلة منا صاحت كل هواتفنا مولولة و بدت أصواتها مخيفة كما لو أنها أصوات صفارات انذار، امتدت الأيادي مرتعشة، و فتحت الهواتف، كان الخبر الوحيد هو الموت، فتغيرت الأجواء و عم القلق و تواترت التساؤلات و الاستفسارات، فالكل يتساءل، متى و أين و كيف ماتت؟ و سأل آخر و من هي التي ماتت؟ أجبت بهدوء، إنها حدا بنت خالي...صمت الجميع ثم بدأنا نفكر فيما يجب القيام به، كانت والدتي متوترة، حاولت تهدءتها حفاظا على صحتها، ثم استقر رأينا على التوجه مباشرة لمنزل بنت خالي، وصلنا في نفس وقت وصول جثمانها إلى البيت، في ليلتها الأخيرة، تغير الطقس و تراكمت سحب داكنة في سماء قرية الكحالة مسقط رأس والدتي و أخوالي و أبناء أخوالي، هبت رياح خفيفة باردة كرياح الخريف حاملة معها غبارا يتسرب عنوة في العيون و كأنه يريد أن يستفزها، لتهدر بعض العبرات، ثم لسعت وجهي بعض أعواد التبن الذي تذروه الرياح، ربما هو غبار و تبن آت من البيدر حيث ماتت بنت خالي، رحمها الله، لقد ماتت بسبب حادث شغل حقيقي، بعد يوم مضني حصدت فيه كمية من السنابل بمنجل يدوي صغير، ثم جمعت سنابل القمح لتقوم بدرسها بواسطة الآلة الدارسة و هي آلة مجرورة بواسطة الجرار، وهي الآلة الوحيدة التي يمكنها أن تدخل الكحالة بسبب رداءة الطريق المؤدي إلى هذه القرية الغنية و التي يسكنها أناس يحبون الأرض و يحبون العمل و الزراعة و المواشي و الدواب، بنت خالي كانت تجمع بضع قناطر من القمح، ربما ستكون هي من أقل المستفيدين منه، لأن نصيب الأسد من أرباح المنتجات الزراعية سيكون للتجار و المضاربين، ماتت بسبب اهمال الدولة لمصدر هام من مصادر الثروة ، فوزارة الفلاحة غائبة عن أهم الأراضي الزراعية في البلاد، فلا وجود لإدارة و لا مرشدين يساعدون الناس و يدربونهم على استعمال الآلات الزراعية، و على كل ما يهم الزراعة و تربية المواشي و تشجيعهم.
لقد كان حادث أليم و ماتت حدا بسبب آلة الدراسة، ماتت وهي في قمة العطاء، وهي تعمل من أجل تأمين عيش أبنائها و مستقبلهم، ماتت من أجل زوجها الكادح هو أيضا من أجل العيش الكريم، لقد اختارت طريقها منذ كانت في ريعان شبابها و لم تكن معولة على ثروة أبيها، بل بنت نفسها و بنت أسرتها بنفسها، أسرة صغيرة يسودها الإحترام، و القناعة و حب العمل و البذل و العطاء و زرعت في أبنائها حب الأرض، لقد شاركت زوجها دون أن تسمع محاضرات عن التناصف الأفقي و العمودي و لا عن مجلة الأحوال الشخصية و لا عن الجمعيات النسائية التي لا أظن أنها زارت أصلا تلك الربوع، لقد ماتت و لم تنتفض من أجلها لا نقابات و لا جمعيات، ان كان للوطن معنى غير المعنى الهلامي الذي يهتفون به في وسائل الإعلام فحدا بنت خالي قد ماتت من أجل الوطن، نعم الوطن الذي هو أرضها و قمحها و أبنائها رحمها الله، كان موتها مؤلما بالنسبة لي، لقد ألمّ بي حزن أفقدني توازني و أفقدني شهية الحديث و الضحك، عشت في حياتي أوقاتا عصيبة و لحظات مؤلمة، لكني كنت أضع أمام الحزن حواجز و أسوار و أرمي عليه سهام ابتساماتي و أحاربه بسيوف سخريتي و مرحي، لكن هذه المرة تسرب الحزن كالماء بين عروقي و انتابني كالحمى فلم أقوى على صده و مقاومته، إلى أن خفف من وطأته الزمن، و الحمد لله ها أنا قد استعدت بعضا من عافيتي و استعدت ذكريات الطفولة لما كانت حدا بمثابة أخت كبرى تأتي لبيتنا المتواضع و تساعد والدتي على قضاء شؤونه لأيام و شهور  فرحم الله حدا بنت خالي و رزق أهلها و أبنائها الصبر و أرجو أن تلقى هذه الكلمات صدى حتى يهتموا بالأرياف و بسكان الأرياف لأنهم لا يحتاجون لمساعدات و لا لشفقة إنما يحتاجون لتحسين ظروف عيشهم و تشجيعهم على الإنتاج و العمل و المساهمة في تنمية البلاد، و شكرا لكل من قرأ هذه الثرثرة ليخفف عني الحمل.

lundi 11 juillet 2016

التهريب...... و وهم التنمية

المادة الشخمة، كلمة اشتهر بها رئيس تونس الراحل الحبيب بورقيبة، و قد قالها في سياق خطاب قال فيه أن تونس لا توجد فيها ثروات و ثروتها الوحيدة هي "المادة الشخمة" و المقصود بهذه المادة هو "المخ" و بالتالي الذكاء، فأوهم التونسيين أن البلاد فقيرة من حيث الموارد الطبيعية و تملك فقط الذكاء، و هذا الخطاب ظل متوارثا بين السياسيين الذين يحكمون البلاد إلى أن جاءت الثورة و أثبتت أن التونسي لا يختلف عن باقي البشر في العالم و له مشاكله و سلبياته، و أن تونس فيها ثروات لم يتم استغلالها على الوجه الأمثل لتطوير البلاد و لتحسين ظروف عيش الناس فيها، انما أهدرت هذه الثروات بسبب الفساد، و ليس وحده الفساد سببا إنما أيضا التفاوت بين الجهات في التنمية ، خاصة و أن الجهات التونسية الأقل حظا في التنمية هي التي تتوفر  فيها أهم ثروات البلاد، و الحديث في هذا الشأن يتطلب أولا تبيان ملامح جغرافيا البلاد التونسية ثم التعرف على الإمكانيات الإقتصادية و الخصوصيات الثقافية لكل منطقة،
اداريا تنقسم البلاد التونسية إلى خمسة و عشرين ولاية أو محافظة، تم تقسيمها منذ إستقلال البلاد سنة 1956 و بعضها تم اضافتها فيما بعد، و على ضوء ذلك التقسيم شرعت السلطة المشرفة في بعث عدة استثمارات عمومية مثل المطارات و الموانئ  و الكليات و المصانع و الملاعب و قاعات الرياضة و حتى المسارح و دور الثقافة، اضافة إلى النزل و المرافق السياحية التي كانت منشآت شبه عمومية بحكم أن أغلبها تم بنائها بقروض ميسرة من بنوك عمومية لفائدة رجال أعمال قريبين من السلطة، التي كانت تحت نفوذ رؤوس أموال و سياسيين ينتمون إلى الجهات الأكثر انتفاعا بهذه الإستثمارات و هي الجهات المتعارف عليها في تونس بالجهات الساحلية، لكن هي فقط الولايات المتمركزة على جزء من الساحل الشرقي للبلاد، و لعل من أهمها ولاية المنستير التي رغم صغر مساحتها فقد تمتعت بأهم المنشآت العمومية في البلاد مثل كلية الطب و الهندسة و الصيدلة و المطار و مستشفى جامعي اضافة إلى المصانع  و الفنادق و الطرقات السريعة، و قد نالت هذه الولاية حظها أكثر من غيرها نظرا لإنتماء رئيس البلاد آنذاك لنفس الولاية و هذا إن دل على شيء فهو يدل على منطق قبلي و عقلية جهوية غرسها و نماها الرئيس الراحل بورقيبة  و لازالت آثارها قائمة إلى اليوم، و هي عقلية تهدد وحدة البلاد و لازالت تطل برأسها أحيانا من خلال جماهير الكرة أو بعض مغنيي الراب ، أما الولايات التي ظلت محرومة من التنمية إلى يومنا هذا هي الولايات المتعارف على تسميتها بالولايات الداخلية  و أغلبها ولايات حدودية متاخمة للجزائر، أو ولايتي تطاوين و مدنين في أقصى جنوب البلاد  على الحدود مع ليبيا، رغم محاولات نظام بن علي منذ التسعينات لسد الهوة بين المناطق الساحلية و المناطق الداخلية من خلال بعث اذاعات جهوية و مؤسسات جامعية في الولايات الداخلية فإن هذه المحاولات قد أحبطها الحجم الكبير للفساد في تلك المناطق، و رغبة أصحاب النفوذ فيها في ابقاء الحال على ماهو عليه كي يسهل عليهم ابتزاز الناس من أجل منافع بسيطة كالمساعدات الموسمية من مواد غذائية و علف للحيوانات و المواشي، وهو أسلوب سيطر به المنتمون لحزب التجمع المنحل على سكان الأرياف الفقراء، و نجحوا في ذلك، و حزب التجمع في الولايات الداخلية خاصة قد حكم الناس بشبكة منافع خارج اطار القانون، تبدأ بمساعدة بسيطة من مواد غذائية أو علف للمواشي، و تصل إلى حد تشغيل الإبن أو الابنة في الوظيفة العمومية، و بحكم وجود هذه الولايات على الحدود كان التهريب من أهم المنافع الخارجة عن القانون، التي سيطرت بها بارونات التهريب على سكان المناطق الحدودية، و التي لا تزال إلى حد الآن أرياف بدائية، تفتقر إلى أهم مرافق العيش الكريم، و قد غالط الإعلام في تونس الناس و أوهمهم أن سكان الحدود هم من أثرى أثرياء البلاد، و أنهم لا يريدون مصانع و منشآت يعملون فيها بأجر، و ظل التهريب وهم التنمية، لكن في الواقع ليس جميع الناس يمارسون التهريب، بل هي فئة قليلة لها علاقات خاصة و لها مسالك مؤمنة ، و يوزعون البنزين و العجلات و الحديد جهارا نهارا على الطرقات، اضافة إلى المواد الكهرمنزلية، صحيح أنهم يحققون أرباحا طائلة لكنها أموال يديرونها بينهم، و حتى من يحقق ثروة سيبني بها منزلا فخما في المناطق السياحية الكبرى، و في أحسن الحالات سيبني مقهى في القرية التي يسكنها، و لا يمكن لأحد أن يجبره على بناء معمل أو الإستثمار في مشروع زراعي ينمي اقتصاد المنطقة، و من المغالطات أيضا التي يقوم يروجها الإعلام هو الخلط المتعمد بين التهريب و التجار الذين يعبرون الحدود عبر مسالك قانونية و هؤلاء يسمح لهم القانون حسب "الأمر 1743 لسنة 1994 المؤرخ في 29 أوت1994 " بتوريد بعض البضائع المخصصة للاستهلاك و طبعا حسبما يسمح به القانون من حيث الكم و الكيف، و بالتالي هؤلاء تجار يجب تشجيعهم و مساعدتهم و هذا يجرنا للحديث عن أزمة الحدود بين الدول العربية و هي للأسف إما حدود مسيجة بالأسلاك الشائكة أو حدود مدججة بالأسلحة، على خلاف الحدود بين الدول الأوروبية التي هي عبارة عن أسواق حرة و مناطق ترفيه حيث أصبحت مقاطعة "سارلاند" المتنازع عليها بين فرنسا و ألمانيا إلى منطقة تبادل حر و تعاون اقتصادي بين البلدين, و بالتالي أصبح وجود مدينة ما على الحدود في صالحها حيث تتحول إلى قطب تجاري و تنموي جالب لليد العاملة و تتوفر فيه مواطن شغل قارة، و هذا ما ينقص المناطق الحدودية التونسية التي تتميز باستفحال البطالة,
على السلطة في البلاد أن تنتبه لهذا التفاوت الجهوي و أن تنتبه أيضا إلى أن الولايات الداخلية فيها أهم الثروات مثل الفسفاط و الرخام و المنتوجات الزراعية فقط يجب تثمينها، و يجب بعث مشاريع استثمارية لأن الناس و خاصة الشباب يبحثون عن مواطن شغل قارة تشعرهم أنهم مواطنين، فالتهريب مهما وفر من أموال فهو خارج اطار القانون أولا و ثانيا ليس في متناول الجميع بل و يزيد في تنمية الفوارق الإجتماعية و القهر الإجتماعي بين الناس و يؤثر سلبا على عقلية السشباب و التلاميذ و هذا قد بدا واضحا وجليا من خلال نتائج الباكالوريا لهذا العام، حيث كانت أقل النتائج في الولايات الحدودية فالتلميذ الذي ينبهر بسهولة الثروة المتأتية من التهريب سوف يشعر أن الدراسة بلا فائدة، الناس في حاجة إلى طرقات لائقة و معاهد لائقة و مستشفيات لائقة، و منشآت رياضية لائقة، و على ذكر المنشآت الرياضية، في ولايات نابل و المهدية و سوسة و المنستير و صفاقس، كل مدينة صغيرة فيها قاعة رياضية مغطاة بينما، الولايات الحدودية في كل منها قاعة واحدة في مركز الولاية.
صحيح أن الدولة كاهلها مثقل بالإنفاق العمومي، و بمشاكل عدة لكن المطلوب منها هو أن تقدم نفس الخدمات بالتساوي بين الناس و أن تسعى من خلال مؤسساتها على التمييز الإيجابي للمناطق الداخلية التي عانت الحرمان طوال عقود و هذا منصوص عليه في دستور البلاد، و مقاومة التهريب لا تكون بمراقبة الحدود فقط إنما باتفاقيات اقتصادية مع البلدان المجاورة حتى يكون الفارق بين السلع طفيفا، و العمل على توفير مواطن الشغل لأن سكان الولايات الداخلية الذين يتهمهم الإعلام بالكسل هم من يعملون في المصانع الموجودة بالآلاف في الولايات الساحلية و العاصمة، و يتكبدون عناء السفر و الكراء بأسعار مرتفعة هناك، و بكل واقعية و بعيدا عن الشعارات الجوفاء وحدة البلاد تكون بتكافؤ الفرص بين الناس، بصفتهم مواطنين لهم حقوق و عليهم واجبات، و ليس بخطاب "المادة الشخمة" التافه و المتعال

lundi 25 avril 2016

العطرشية

تونس بلد العطرشية






تعيش مدينة نابل في الشمال الشرقي للبلاد التونسية في فصل الربيع موسم تقطير "الزهر" حيث تفوح رائحته في مختلف أحياء المدينة ولا يكاد بيت يخلو من القطّار التقليدي الذي يكون عادة من النحاس أو الفضة، وبات نشاط تقطير الزهر في مدينة نابل حدث سنوي يجلب الزوار من انحاء البلاد كافة وحتى من الخارج. تعود شهرة "زهر" نابل إلى شهرة زهرة النارنج التي تزهر في فترة الربيع، لكنها ليست النبتة الوحيدة التي يتم تقطيرها في تونس فهناك عدة نباتات أخرى بعضها بري و بعضها مزروع في الحقول والبساتين وجميعها صالحة للتقطير ومن بينها "العطرشية".


تعتبر نبتة العطرشية من اجمل النباتات وتتميز برائحتها الفواحة وبعطرها الزكي، وبتأقلمها مع مختلف الظروف المناخية حيث يتم غرسها ايضاً في المناطق القاحلة والواحات،


اما الاسم الفرنسي العلمي للعطرشية" هو Pelargonium graveolens واسمها العلمي العربي اللقلقي اي شديد الرائحة أو العطرية شديدة الرائحة أو العطرشة أو العطرة، و من أهم ميزاتها أيضا أن ورقتها معطرة ويمكن استعمالها مباشرة و ذلك بوضعها مع الشاي أو الماء. أما زهورها فأغلب التونسيين من الشمال إلى الجنوب، يقومون بتقطيرها خاصة في فصل الربيع وبالوسائل التقليدية وذلك من خلال وضع كمية من زهور العطرشية وبعض اوراقها في وعاء من النحاس ثم يضاف اليه قليل من الماء، و يوضع على الموقد ويتم اقفاله بوعاء آخر يسكب عليه بعض الماء البارد حتى يتمكن من تكثيف البخار الذي يتم اخراجه بواسطة أنبوب من الوعاء السفلي، و هذا الأنبوب تخرج منه قطرات العطرشية الصافية، ومن ثم تحفظ في زجاجة، لتستعمل في المطبخ وفي تحضير الحلويات. كما تستعمل أيضا في الصناعات الطبية والادوية المركبة وصناعة العطور، لكن هذه الاستعمالات تتطلب تقنية عالية ووسائل تقطير عصرية وهي تعتبر ذات طاقة تحويلية أكبر وأسرع، و تتركز أهم الوحدات التحويلية في تونس خاصة في مدينة نابل، عاصمة الزهر في تونس، و تبقى تونس بلد الزهور والياسمين والرياحين، وبلد العطرشية.